عندما يفارق الإنسان الحياة، ليس الأمر مجرد نهاية للجسد، بل هو انقطاع نهائي لإشعار فريد لا يمكن استبداله أو تكراره. ترى الفيزيائية والفيلسوفة جينان إسماعيل أن رحيل الإنسان يشبه انهيار نموذج تم تدريبه على بيانات لا يمكن إعادة إنتاجها؛ كل حياة بشرية هي عبارة عن ملايين المدخلات والمعارف والتجارب الشخصية الفريدة، تشكل معًا سجلاً معقدًا لا يمكن استنساخه.
مع كل وفاة، يُمحى سجل كامل من الذكريات، الأفكار، والانطباعات التي لم تُكتب أو تُوثق، ويبقى العالم منقوصًا من قصة جديدة كان من الممكن أن تستمر لولا هذا الانقطاع.
في عالمنا الحديث المهووس بالأرشفة والتخزين الرقمي، قد يبدو لنا أن كل شيء يُحفظ ويُخلد، لكن الحقيقة مختلفة. المعلومات التي تُفقد بوفاة إنسان ليست فقط بيانات سطحية أو أحداثًا موثقة، بل هي طبقات من الفهم والتجربة والسياقات الداخلية التي عاشها الفرد في صمته وتصالحه مع ذاته ومع العالم. لا يستطيع أي نموذج ذكاء اصطناعي مهما بلغت قوته أو أي منصة رقمية متقدمة أن تحتفظ بتلك التفاصيل الدقيقة لتجربة الإنسان الفردية.
هذه الفكرة تطرح سؤالا مؤلما حول ماهية الإرث البشري الفعلي: هل ما نورثه للآخرين هو ما نكتبه ونقوله فقط، أم أن هناك خسارة أعمق بكثير لا يمكن تعويضها؟ في لحظة الموت، ينقطع التيار ويتبدد كل ما كان بالإمكان مشاركته أو تعلمه أو حتى الشعور به. لذلك، فإن قيمة كل لحظة وكل تجربة فردية لا تكمن فقط في وجودها، بل في كونها الوحيدة وغير المتكررة، وحين تنتهي، تكون الخسارة كاملة ولا رجعة فيها.