في لوحة تجمع بين العبثية والمأساوية، شهدت العاصمة البريطانية لندن أمس تظاهرة غير اعتيادية أمام المقر الرئيسي لشركة "ميتا". المشهد يستحق التأمل: مجموعة من أبرز الكتّاب والمؤلفين البريطانيين يقفون احتجاجاً على ما يمكن وصفه بأكبر عملية قرصنة منظمة في تاريخ الأدب المعاصر.
ففي تطور يثير السخرية والاستغراب، يبدو أن شركة "ميتا"، التي تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، قد وجدت في موقع LibGen - المعروف بنشر الكتب دون إذن أصحابها - مصدراً مثالياً لتغذية نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. هذه المكتبة التي تضم أكثر من 7.5 مليون كتاب و81 مليون مقال علمي، أصبحت مركز عاصفة أدبية غير مسبوقة.
والمدهش في هذا السياق أن زوكربيرغ نفسه وافق شخصياً على استخدام هذا المحتوى المقرصن، في خطوة وصفها المحتجون بأنها "صفعة في وجه الإبداع". وقد كشفت مجلة أتلانتيك عن قائمة كاملة بالأعمال المسروقة، مما أثار موجة غضب عارمة في الأوساط الأدبية العالمية.
وفي مشهد يجسد المفارقة، حاول الروائي إيه جيه ويست، صاحب رواية "The Spirit Engineer"، تسليم رسالة احتجاج موقعة من نخبة الكتاب البريطانيين، من بينهم كازو إيشيغورو وريتشارد أوسمان، لكنه وجد أبواب الشركة موصدة في وجهه. "إنهم يسرقون إبداعاتنا ثم يغلقون أبوابهم في وجوهنا،" صرح ويست بمرارة.
وفي حين تدعي "ميتا" في بياناتها الرسمية احترامها للملكية الفكرية، يواجه عملاق التكنولوجيا الآن دعاوى قضائية في عدة دول، من بينها فرنسا والولايات المتحدة، حيث انضمت سارة سيلفرمان وتا-نهيسي كوتس إلى قائمة المدعين.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد نزاع حول حقوق النشر، بل هو صراع وجودي حول مستقبل الإبداع البشري في عصر الذكاء الاصطناعي. وبينما يستمر جيش المحتجين في النمو، يبقى السؤال: هل سيتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة لتقويض حقوق المبدعين، أم سنجد طريقاً للتوازن بين التقدم التكنولوجي وحماية الإبداع البشري؟
في النهاية، تبقى قضية "ميتا" وLibGen تذكيراً صارخاً بأن التقدم التكنولوجي يجب أن يكون مصحوباً بمسؤولية أخلاقية وقانونية. وإلا فإننا نخاطر بالدخول في عصر جديد، عصر القرصنة الرقمية المتطورة، حيث تصبح سرقة الإبداع البشري مجرد "عملية تدريب" للذكاء الاصطناعي.