يدعونا روبرت سبيرا في كتابه "شفافية الأشياء" إلى تأمل جذري في طبيعة تجربتنا الإنسانية، دون محاولة تغييرها أو الحكم عليها. لا يهتم نهجه بالخصائص المحددة لما نختبره، بل يركز على الطبيعة الأساسية للوعي الذي يكمن خلف كل تجربة.
يشرح سبيرا أن الوعي ليس فعلاً نقوم به، بل هو حالتنا الطبيعية. فالأفكار والأحاسيس والإدراكات والعلاقات ما هي إلا أنشطة تظهر وتختفي في مجال الوعي. أما الوعي نفسه، الثابت والدائم، فيبقى حاضراً دائماً، سواء كانت هناك تجربة أم لا. مثل الشاشة التي تظل كما هي، سواء عُرض عليها فيلم أم لا، فإن الوعي لا يتأثر أبداً بمحتوى التجربة.
التأمل، وفقاً لسبيرا، هو إدراك هذا الوعي الأساسي والبقاء فيه، دون اضطراب أو مجهود. لا يتعلق الأمر بالوصول إلى حالة خاصة أو صوفية، بل ببساطة إدراك ما نحن عليه بالفعل، بشكل طبيعي. فالاضطراب والألم والحزن والصراع تنتمي إلى حركة التجربة، لكن الوعي نفسه يظل دائماً حراً، هادئاً وصامتاً.
البحث عن الذات، كما يراه سبيرا، هو عودة إلى بداهة الوجود، وليس بحثاً عن شيء بعيد. لا نجد أنفسنا كما نجد شيئاً مفقوداً؛ نحن أنفسنا دائماً، سواء أدركنا ذلك أم لا. الاستنارة أو اليقظة أو تحقيق الذات ليست تجارب استثنائية، بل هي الإدراك العميق لبساطة كوننا واعين.
يقودنا كتاب "شفافية الأشياء" إلى اكتشاف أن طبيعتنا الأساسية ليست الجسد ولا العقل، بل الوعي نفسه الذي يحتضن كل تجربة. هذا الحضور، المتاح دائماً، يحتوي بالفعل على السلام والفرح والحب المنشود في الحياة الروحية.
المصدر: كتاب "شفافية الأشياء: تأمل في طبيعة التجربة" لروبرت سبيرا.