رسالة ريتشارد فاينمان لزوجته الراحلة آرلين

أضيف بتاريخ 01/18/2025
|

ترجمة شادي القصاص

من قال أنّ العلماء لا يملكون حساً مرهفاً. هذه من أجمل كلمات الحبّ والوفاء التي لم يقدر على قطعها الموت نفسه. رسالةٌ كتبت بيد عالم الفيزياء “ريتشارد فاينمان” لزوجته “آرلين” بعد ما انتزعها مرض السّل من بين يديه بعمر الخامسة والعشرين، ولم تُفتح تلك الرسالة من ظرفها إلّا بعد موته.

رسالة ريتشارد فاينمان لزوجته أرلين

17 أكتوبر 1946

عزيزتي أرلين،

أحبك، يا مُهجة الفؤاد.

أعرف تماماً أنّك تحبين سماع هذه الكلمات كثيراً، ولكنّي لا أكتب هذه الكلمات لأنّك تحبينها فقط، بل لأنّني بمجرد كتابتها أشعر بدفئٍ في نفسي.

لقد مرّت فترة طويلة جدّاً منذ آخر مرة كتبت لك فيها ـ سنتان تقريباً ـ ولكنّي على يقينٍ أنّك ستعذرينني لأنّك تفهمينني وتتفهمين عِنادي وواقعيتي، وبأنّني اعتقدت للحظةٍ أنّ كتاباتي بدون معنى. غير أنّني أعلم الآن يا زوجتي العزيزة أنّه يجب علي أن أفعل ما أجّلت فعله والذي كنت أفعله كثيرِاً في الماضي. أريد أن أخبرك أنّني أحبك، أريد أن أحبك وسأظل أحبك.

من الصّعب على عقلي فهم معنى حبي لك حتى بعد رحيلك ـ ولكني أريد أن أرعاك وأعتني بك ـ وأريدك أن تحبيني وتهتمي بي، أريد أن أواجه الصعاب فقط لأناقشها معك، أريد أن أبدأ في مشاريع جديدة معك. لم أستوعب أبداً أنّنا قد نفعل هذا سوياً إلا الآن. ماذا نفعل؟ لقد بدأنا تعلّم صناعة الملابس سويا ـ أو تعلم اللغة الصينية ـ أو شراء آلة لعرض الأفلام. ألا أستطيع فعل أي شئ الآن؟ لا. أنا وحيد بدونك فقد كنت “المرأة الفكرة” والمحفّز لكل مغامراتنا المثيرة.

حينما فتك بك المرض أصابك القلق لأنّك لم تقدري على إعطائي ما وددتِ تقديمه وما اعتقدتِ أنّني أحتاجه. لم يكن هناك داعٍ لهذا القلق، وكما أخبرتك حينها أنّه لا يوجد لدي أيّ نوعٍ من الاِحتياج الحقيقي، لأنّني أحببتك في كل حالاتك. ولكي تتجلى حقيقة هذا الشعور بوضوحٍ أكثر، فأنت الآن لا تقدمين لي أي شيء على الإطلاق ومع ذلك أحبّك لدرجة أنّني أتمنى أن أراك شاخصةً أمامي. أنت، أيتها الراحلة، أفضل بكثيرٍ من أي أحدٍ على قيد الحياة.

أعلم تماماً أنّك ستؤكدين لي مدى حمقي، أنّك تريدين أن أسعد في حياتي سعادةً كاملة وألا تكوني عائقاً في طريقي نحو تلك السعادة. سأراهنك بأنك ستفاجَئين بأنّني بعد مرور سنتين على رحيلك لا أملك حتّى صديقة واحدة (باستثنائك يا مهجة القلب)، ولن تتوفّقي يا عزيزتي في تغيير تلك الحقيقة، ولا حتّى أنا، ولا أفهم سبب ذلك. فمع أنّني قابلت الكثير من الفتيات اللطيفات ومع عدم رغبتي في البقاء وحيداً إلا أنّني بعد لقائين أو ثلاث لا أراهن إلا رماداً. أنت وحدك الباقية، أنت حقيقية.

زوجتي الغالية. أعشقك.
أحب زوجتي. زوجتي راحلة.
ريتش

ملحوظة: اعذريني لعدم إرسالي لهذا الخطاب، لأنني لا أعلم عنوانك الجديد.